رشا عمران: الشعر هو كل شيء.. ولا شيء على الإطلاق

BeautyPlus_20180201123413_save.jpg
فوتوغرافيا: منى عبد الكريم، وحقوق الفوتوغرافيا محفوظة لها

لا أعرف لماذا خُيل لي، وأنا في الطريق إلى بيت رشا عمران، الكائن بحي باب اللوق، أنني لن التقي بها وحدها، وأن الوجه الذي سيستقبلني، لن يكون وجهها، إنما وجه المرأة التي سكنت قبلها. لا أعرف لماذا خُيل لي أيضاً أن هذه المرأة ستنوب عن رشا بفعل الكثير. كأن تُعد لنا القهوة. كأن تأخذني في جولة سريعة لتفرجني على ما بداخلها من هزائم وخيبات. كأن تضحك. كأن تعد لنا قهوة ثانية، لتستطيع أن تحدثني بتركيزٍ عن عُشاقها القدامى، وعن الثورة والحرب، وعن النمل الذي يقضم روحها. كأن تصمت فجأة، لتقرأ لي نصاً. سيكون للمُصادفة النص الذي أحبه: “لست لحناً حزيناً/ ولا وردة ذابلة/ أنا ذرة ملح/ متروكة على الطاولة/ كشاهدة/ على العشاء الأخير”‬.
قبل أن أصل، وحتى لا يشت عقلي، حاولت أن أفتت هذه الخيالات، النابعة من قناعة تخصني، وهي أن ثمة شيئا حقيقياً دائماً فيما تكتبه الشاعرات، ثمة شيئاً صادقاً، لكن حين فتحت رشا الباب، حين فتحته بابتسامتها الخافتة، وعينيها الواضحتين، كان أول ما وصلني، ليس صوتها، إنما صوت واحدة أخرى، ولمّا تجاوزت عتبة البيت، حيث الصالة الضيقة، الأنيقة، انتبهتُ إلى أن الصوت قادمٌ من المطبخ، ولوهلة كنتُ سأسأل رشا: هل هذا صوت التي سكنت البيت قبلك؟ لكنها تعجلت وذهبت إليها، إلى المرأة التي في المطبخ، المرأة التي تساعدها في مهام البيت، لتطلب منها أن تعد لنا قهوة.
كان البيت، الذي هو في الحقيقة شقة صغيرة، تقع في الطابق الرابع، هادئاً للغاية، ليس لأن رشا تعيش فيه بمفردها، لكن أغلب الظن أن حوائطه المُرتفعة، وشبابيكه الكبيرة، والشمس التي تقضي نهارها فيه، يعطون انطباعاً للواحد أن طبيعته كذلك. جلسنا في الغرفة التي تستقبل فيها رشا الضيوف. الغرفة الثانية بعد غرفة النوم. الغرفة الوحيدة بعد غرفة النوم. الغرفة أشبه بجاليري. البيت كله صراحة أشبه بجاليري. فلا يوجد حائط يخلو من لوحة. ولا توجد غرفة لا تفوح منها رائحة دمشق. ظلت رشا واقفة وهي تتحدث عن الغرفة، والبيت، واللوحات. اللوحات التي أهداها إياها أصدقاؤها الرسامون. اللوحات التي هي -للغرابة- حصيلة ما تملكه في الحياة.
لم يكن يشغلني ما تقوله رشا عن البيت، واللوحات، رغم أنهما يعكسان جانباً كبيراً من شخصيتها، كان يشغلني أن لا صورة فوتوغرافية واحدة لها، أو لشخص قريب منها، مُعلقة على أي جدار، وحين سألتها عن السبب، قالت إنها لا تحب رؤية وجهها في الصور، أو المرآة. وأنها لا تميل إلى توثيق اللحظات التي تعيشها. ثم أضافت بلهجتها السورية المُحببة: “‬ليش بدي أحط صورة لبنتي وهي موجودة بذاكرتي”. لا تحب رشا الشعور بالحنين إلى أحد. لا تحب التعلق بالماضي. كما أنها لا تريد أن تكون مُحاصرة بأناس، لم تعد بإمكانها أن تراهم.
كما كان يشغلني الجُرح الذي لم تحاول أن تُخفيه. الجُرح الذي يتوسط صدرها. الجُرح الذي يفصل بين عالمين، ويوصل بين عالمين. الجُرح الذي يُشبه الجسر، والطريق المتعرجة. الجُرح الذي اعتقدتُ أنه خيط تريكو، وأن عليّ أن أشده، لأتعرف على رشا أكثر. متابعة قراءة رشا عمران: الشعر هو كل شيء.. ولا شيء على الإطلاق